منذ فترة ليست بوجيزة أُشغِل الناس بقضية "قيادة المرأة"، وأُشبعت نقاشاً حتى تحوَّل إلى جدلٍ عمَّ أغلب أطياف المجتمع؛ فأصبح شغلهم الشاغل، وهمهم الذي قض مضاجعهم، وأرَّق نومهم، وكأن المجتمع ليس لديه سوى هذه المشكلة، وليس لديه هم سواها؛ فانقسم الناس حوله إلى فريقَيْن، بين مؤيد ومعارض، وزاد الجدل بينهم، وكلٌ يسوق أدلته ومبرراته، وكلٌ يريد أن يكسب الجولة، وكأننا في حرب فكرية لا بد من وجود خاسر ومنتصر، وللأسف أصبح هذا ديدننا في تناول موضوعاتنا؛ فأصبحنا نطبق قاعدة "إن لم تكن معي فأنت ضدي".
ولست هنا بصدد الدخول في هذا الجدل الذي لا طائل منه، ولا فائدة نجنيها من الدخول في دهاليز هذه المعمعة، ولكنني سأتناول القضية من زاوية مختلفة تماماً، وأقول للجميع، للفريقين المؤيد والمعارض، لنتخيل.. أن المرأة سُمِحَ لها وقادت السيارة.. فما الذي سيحدث..؟
- سيفرح المؤيد ويشعر بنشوة الانتصار وكأنه حرر القدس، وسيحزن المعارض ويشعر بحرقة الهزيمة وكأننا للتو واللحظة فقدنا الأندلس. وهل القضية.. قضية فوز وخسارة للموقف، أهذا كل همكم..؟!
- سيشعر المؤيد بأننا قد وصلنا قمة الرقي والحضارة والتقدم، وكأننا تفوقنا على اليابان أو صرنا من الدول النووية. أهذا مقياس التمدن والتحضر والرقي والتقدم عندك.. أنسيت أو تناسيت بأنك ستزيد عدد المتخلفين
الجاهلين بالأنظمة والقوانين.. الذين "يفخرون" بتجاوز الأنظمة.. ونحن الشعب الوحيد في العالم الذي يفخر بالمخالفات؛ وذلك لأن الأنظمة نامت في بعض أدراج الموظفين وعقولهم.
- سيزداد عدد السيارات أضعافاً مضاعفة.. وشوارعنا لا تتسع للعدد الموجود الآن فما بالك بالزيادة؟
فالشارع أصبح ربع شارع؛ لأن الجميع امتهن حرمته، واسألوا المجمعات السكنية والدوائر الحكومية.
- ستتضاعف نسبة الجريمة والسرقات.. وهل المجتمع ناقص جرائم ومشاكل؟؟!!
- ستتخلص بعض النساء من مسألة وجودها مع رجل أجنبي "السائق"، ولكن هل ستأمن على نفسها وهي تقود سيارتها بمفردها وسط هذه الذئاب البشرية؛ فالمرأة لم تسلم من تخلفهم وعفنهم وتحرشاتهم وهي مع السائق بل لم تسلم من ذلك وهي مع وليها!! فهل ستسلم وهي بمفردها؟؟!!
- ستزداد الزحمة.. وعندها هل سنستطيع أن ننجز أعمالنا.. ألا تكفينا زحمة الرياض؟؟!!
هناك الكثير من الأمور يمكن أن نتخيلها لو قادت المرأة من الممكن أن تحدث، وقد يكون بعضها سلبياً، وقد تكون هناك إيجابيات لقيادة المرأة، ولكن السؤال الذي يطرح هنا: هل نحن مجتمع مهيأ لتقبل مثل هذه الأمور؟؟
هل وصلنا لمرحلة من الوعي والإدراك أن يكون في مجتمعنا مثل هذه الأمور؟
لكل المطالبين بقيادة المرأة أقول:
- هل ترى أن المجتمع اليوم جاهز لتقبل مثل هذا الأمر؟ أم أن المجتمع ما زال بحاجة لزمن طويل؛ كي يكون جاهزاً لأن تصبح فيه مصالح قيادة المرأة أكثر من مفاسدها؛ لأن القاعدة الفقهية واضحة: "درء المفاسد مقدَّم على جلب المصالح".. فعندما يوجد هذا المجتمع فطالب بقيادة المرأة.
- هل أمِنت على سيارتك وأنت رجل "بشنب" ومفتول العضلات.. أم أنها سُرقت من أمام ناظريك ومن تحت قدميك.. حتى تأمن "القوارير" على سياراتهن؟؟!!!!!!!!
- يدَّعي بعض المطالبين بأن قيادة المرأة ستُقلِّص عدد العمالة برحيل السائق.. فهل ستضمن رحيله أم أنه سيبقى للوجاهة.. و"الفخفخة".
- كم من رجل سُلبت سيارته منه تحت تهديد السلاح في وضح النهار، وفي شارع عام مكتظ بالسيارات حتى في الفَجْر؛ فماذا لو كان السائق امرأة وفي ليل أو شارع منزوٍ؟؟!!!!!!!!!